الأخلاق أولاً- منهج تربوي ضروري لمجتمعنا
المؤلف: هاني الظاهري08.12.2025

وصلتني الأسبوع المنصرم سيلاً من رسائل القراء الأعزاء والمتابعين الكرام، جاءت كرد فعل وتفاعل مع مقالتي السابقة التي عنونتها بـ "مطعم أم ملهى ليلي؟"، وقد تمحورت أغلب هذه الرسائل حول النقطة التي شددت فيها على الحاجة المُلحة لإدراج منهج أساسي ومتكامل للأخلاق ضمن المواد الدراسية في مختلف مراحل التعليم العام. وأكدتُ فيها على أهمية مراعاة عدم ربط هذا المنهج الأخلاقي بأي منهج آخر، وذلك لأسباب موضوعية قد لا يستوعبها الكثيرون من ذوي النوايا الحسنة في هذا الجزء من العالم.
عبر بعض القراء عن تحفظهم بشأن فكرة الفصل بين الأخلاق والمبادئ الشرعية، وأوضحوا أن الأخلاق هي جوهر المبادئ الشرعية، وهو أمر لا جدال فيه إطلاقاً. فالله سبحانه وتعالى أثنى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم". والإسلام جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وهذا يؤكد أن الأخلاق موجودة أصلاً، وهي من المسلمات وليست محور النقاش. فالقراءة، على سبيل المثال، هي أول أمر إلهي بدأ به الوحي على النبي، ومع ذلك لا ندرس مادة القراءة كجزء من مناهج التوحيد والفقه والتفسير، بل لها منهج مستقل وأدبيات متميزة، وهذا هو الشكل الذي يجب أن يكون عليه منهج الأخلاق الذي أطالب به.
تكمن المشكلة الأساسية في تدريس المبادئ الأخلاقية ضمن المناهج الشرعية بشكل عام في أن الإنسان الذي يدرس آلاف الصفحات الشرعية لا يمكن أن يلتزم بها بالكامل بنسبة 100%. ومن الطبيعي أن يقع في المخالفات، سواء الصغيرة أو الكبيرة، لأن ارتكاب الذنب جزء من الطبيعة البشرية، ولهذا شرع الاستغفار وكان الله غفوراً رحيماً. ولكن هذا الأمر يجعل الإنسان، في حال تم تصنيف الأخلاق كممارسات شرعية، يعتبرها من الذنوب التي يمكن التجاوز عنها وطلب المغفرة لها، وهذا لا يتناسب مع طبيعة الأخلاق التي هي عبارة عن قوانين وعهود إنسانية اجتماعية صارمة. وعلى من يخالفها أن يسعى للحصول على الصفح من ضميره أولاً، ومن مجتمعه ثانياً، ومن قبيلته ومواطنيه ثالثاً.. وهكذا.
قد تمنع الأخلاق الشخص المنحرف دينياً من ارتكاب الجريمة، وتحول بينه وبين فعل أي شيء يسيء إلى سمعته وسمعة أسرته ووطنه، في حين أن التعاليم الدينية قد لا تفعل ذلك، إما لأنه لا يكترث بها بشكل عام، أو لأنه يفسرها بطريقة خاطئة ومتطرفة، كما تفعل التنظيمات والجماعات الإرهابية. ومن المعروف أن عرب الجاهلية المشركين كانوا من أكثر الناس تمسكاً بالأخلاق والقيم، رغم عداوتهم للإسلام. فهم لا يغدرون بالضيف المستأمن كما يفعل الإرهابي المسلم، ولا يقبلون نقض العهد والكذب كما يخون الإرهابيون اليوم أوطانهم. والتاريخ يذكرنا دائماً بقصة أبي جهل، رأس المشركين في مكة، الذي منعته أخلاقه من القيام بأفعال لا يتردد بعض المسلمين المتطرفين في فعلها في هذا العصر. فعندما أرادت قريش قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، اقترح أحدهم أن يدخلوا عليه بيته ويقتلوه وهو نائم في فراشه، فما كان من أبي جهل إلا أن استشاط غضباً ورفض هذا الاقتراح غير الأخلاقي قائلاً: "ثكلتك أمك! هل تريد أن تتحدث العرب بأن أبا الحكم يروع بنات محمد؟ لا والله لا نتسور عليه داره!".
إنها أخلاق الفرسان التي لم يتعلمها زعيم مشركي قريش من المناهج الدراسية، وإلا لابتكر اجتهاداً فقهياً يبرر انتهاكها كما يفعل فقهاء التطرف في أيامنا هذه. فهل نعي ذلك وندرك حجم ما فاتنا من خلال عدم فرض منهج للأخلاق في مدارسنا على الفور؟ لعلنا ننجح قريباً في إصلاح ما أفسده الظلاميون في مجتمعنا النبيل على مر العقود.
عبر بعض القراء عن تحفظهم بشأن فكرة الفصل بين الأخلاق والمبادئ الشرعية، وأوضحوا أن الأخلاق هي جوهر المبادئ الشرعية، وهو أمر لا جدال فيه إطلاقاً. فالله سبحانه وتعالى أثنى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم". والإسلام جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وهذا يؤكد أن الأخلاق موجودة أصلاً، وهي من المسلمات وليست محور النقاش. فالقراءة، على سبيل المثال، هي أول أمر إلهي بدأ به الوحي على النبي، ومع ذلك لا ندرس مادة القراءة كجزء من مناهج التوحيد والفقه والتفسير، بل لها منهج مستقل وأدبيات متميزة، وهذا هو الشكل الذي يجب أن يكون عليه منهج الأخلاق الذي أطالب به.
تكمن المشكلة الأساسية في تدريس المبادئ الأخلاقية ضمن المناهج الشرعية بشكل عام في أن الإنسان الذي يدرس آلاف الصفحات الشرعية لا يمكن أن يلتزم بها بالكامل بنسبة 100%. ومن الطبيعي أن يقع في المخالفات، سواء الصغيرة أو الكبيرة، لأن ارتكاب الذنب جزء من الطبيعة البشرية، ولهذا شرع الاستغفار وكان الله غفوراً رحيماً. ولكن هذا الأمر يجعل الإنسان، في حال تم تصنيف الأخلاق كممارسات شرعية، يعتبرها من الذنوب التي يمكن التجاوز عنها وطلب المغفرة لها، وهذا لا يتناسب مع طبيعة الأخلاق التي هي عبارة عن قوانين وعهود إنسانية اجتماعية صارمة. وعلى من يخالفها أن يسعى للحصول على الصفح من ضميره أولاً، ومن مجتمعه ثانياً، ومن قبيلته ومواطنيه ثالثاً.. وهكذا.
قد تمنع الأخلاق الشخص المنحرف دينياً من ارتكاب الجريمة، وتحول بينه وبين فعل أي شيء يسيء إلى سمعته وسمعة أسرته ووطنه، في حين أن التعاليم الدينية قد لا تفعل ذلك، إما لأنه لا يكترث بها بشكل عام، أو لأنه يفسرها بطريقة خاطئة ومتطرفة، كما تفعل التنظيمات والجماعات الإرهابية. ومن المعروف أن عرب الجاهلية المشركين كانوا من أكثر الناس تمسكاً بالأخلاق والقيم، رغم عداوتهم للإسلام. فهم لا يغدرون بالضيف المستأمن كما يفعل الإرهابي المسلم، ولا يقبلون نقض العهد والكذب كما يخون الإرهابيون اليوم أوطانهم. والتاريخ يذكرنا دائماً بقصة أبي جهل، رأس المشركين في مكة، الذي منعته أخلاقه من القيام بأفعال لا يتردد بعض المسلمين المتطرفين في فعلها في هذا العصر. فعندما أرادت قريش قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، اقترح أحدهم أن يدخلوا عليه بيته ويقتلوه وهو نائم في فراشه، فما كان من أبي جهل إلا أن استشاط غضباً ورفض هذا الاقتراح غير الأخلاقي قائلاً: "ثكلتك أمك! هل تريد أن تتحدث العرب بأن أبا الحكم يروع بنات محمد؟ لا والله لا نتسور عليه داره!".
إنها أخلاق الفرسان التي لم يتعلمها زعيم مشركي قريش من المناهج الدراسية، وإلا لابتكر اجتهاداً فقهياً يبرر انتهاكها كما يفعل فقهاء التطرف في أيامنا هذه. فهل نعي ذلك وندرك حجم ما فاتنا من خلال عدم فرض منهج للأخلاق في مدارسنا على الفور؟ لعلنا ننجح قريباً في إصلاح ما أفسده الظلاميون في مجتمعنا النبيل على مر العقود.